تنقسم فنون الدفاع القديمة إلى ثلاثة أنماط كبرى: نمط فردي تصوري: وهو على بابين باب باليد المجردة ويتم فيها تنفيذ حركات الأسلوب المحدد باليد والساق وفق نوع الأسلوب وعنصره وخطه الحركي ووضعياته ومساراته. ويتم هذا على نموذجين: نموذج إنشائي حيث يقوم المقاتل بتأدية حركات من تأليفه أو ارتجاله، مثل حركات شاولين (أسلوب النمر أو الأيدي الثمانية عشر لأرهات) أو حركات التايشتي وهي جميعا بين السرعة والبطؤ وفق النوع والمقصد.

والباب الثاني بالأسلحة مثل عصا شاولين أو الننشاكو أو سيف وودنغ الرائع. ويقوم المقاتل حينها بحركات من ابتكاره أو ارتجاله.

نمط فردي ضمن نسق مرتب سلفا: أي أن المقاتل يؤدي حركات قام بحفظها لنسق ما أو أسلوب ما وهي حركات محددة بدقة ابتكرها أحد المعلمين لفن أو أسلوب ما. كنسق الكاتا في الكاراتي (هيان أو كانكوداي مثلا) أو البومزي في فن التايكواندو أو التاولو في الووشو والكونغ فو عامة. فهو يحفظ تلك الحركات بعد تكرارها مفردة ثم مركبة فترة من الزمن. وهذا أمر معتمد في امتحانات الحصول على الأحزمة وفي المسابقات. وهو أيضا على بابين باب باليد والساق المجردة وباب باستخدام الأسلحة. وتعود قيمة هذا النمط إلى الحفاظ على الفن المحدد وعلى مقوماته وأسراره مخبوءة في ذلك النظام الحركي المعقد والجميل والقوي. والمتأمل في أنواع الكاتا والتاولو المختلفة يلاحظ قوة التناسق والجمالية. ومن يمارس ذلك زمنا سيكتشف الأسرار التي أودعها المعلمون في تلك الأنماط.

وهنالك نمط يقوم على التعامل مع خصم حقيقي ضمن نزال أو تديب أو مباراة. وهنا يتم توظيف ما قد تعلمه المقاتل من حركات الهجوم والصد والمراوغة وفنون الحركة ووضعيات القتال مع توليفة من السرعة والدقة والقوة والنجاعة. وهو باب كبير يمضي من النزال بين شخصين (كوميتي) إلى قتال مجموعة وصولا لفنون الحرب وإدارة الجيوش. وفيه أصناف وفق نوع الفن والأسلوب المعتمد وهل يتم القتال بين مقاتلين من نفس الأسلوب (ملاكمين مثلا) أم بين أسلوبين مختلفين أو هو نزال حر لا يخضع لنسق محدد. وهل هو باليد المجردة أمام يد مجردة أم يد تستخدم سلاحا أم بين مسلّحين. وما مدى التكافؤ بين الأسلحة والنجاعة لدى كل سلاح وفق قوته الذاتية ووفق قوة ومهارة من يستخدمه. فموساشي الساموراي العظيم نازل أقوى مقاتلي الساموراي المتسلحين بأشد السيوف فتكا (الكاتانا اليابانية) وهو يمسك بعصا لا أكثر. وهزمهم جميعا. وقال أن ذلك يرجع لسر موهوب عنده وليس لقدرته القتالية وتميزه وفق ما بين في كتابه الحلقات الخمس. ولبروس لي كلام كثير عن فنيات النزال وكيفيات الانتصار والأسلوب الأكثر نجاعة وهو عنده اسلوب الماء الذي لا شكل له ويأخذ شكل كل إناء. أي هو قتال تفاعلي خاضع لأمور كثيرة ومتحرر من التفكير والوضعيات المعدة سلفا. أما الملاكمة فلها فنها الخاص وخبراؤها المختصون في فنون الانتصار. وبين أسلوب محمد علي كلاي المفتوح والجريء والسريع وأسلوب تايزن المغلق والدفاعي والقوي المعتمد على المباغتة الهجومية مجالات للدراسة والتحليل.

كان الجنرال يو فاي قادرا على هزم كل مقاتل. وهو المصنف كأعظم قائد عسكري في تاريخ الصين.وهو الذي ابتكر أسلوب النسر yīng zhǎo pài  وكذلك Xing Yi Quan أو قبضة شكل الإرادة Shape Will Fist وهو فن رهيب وساحق. وكذلك وونغ فاي هونغ  Wong Fei-hung الذي انتصر في كل نزالاته حتى ضد خمسين شخصا في أحد المرات. ذات الأمر مع تاكيدا وأوياما

Masutatsu Ōyama (大山 倍達 Ōyama Masutatsu, born Choi Yeong-eui (Hangul: 최영의 Hanja: 崔永宜); July 27, 1923 – April 26, 1994), more commonly known as Mas Oyama.

وفيما يخص “القتال التصوري”، الذي يقوم فيه المقاتل بتخيل مقاتلين ضمن وضعيات هجومية محددة ثم تصور دفاعات وهجومات مضادة، فإنه فن مهم في فنون الدفاع. بل هو أساسي لتكوين القدرات القتالية.

وقد تفطن المعلمون الأوائل لقيمته في صقل ذهن وموهبة المقاتل، وفي منحه قدرات ذهنية أكبر وردات فعل أسرع. كما أنه سبيل لترسيخ الفن وتعليمه ونقله من جيل إلى جيل. وهذا بعض من أسراره. ولذلك تجد جميع الفنون الدفاعية القديمة تحتوي على قتالات تصورية تم تنسيقها ضمن خط حركية (Embussen)  باليابانية، وضمن مجموعة تحركات لقتالات افتراضية ولخصوم متصورين. وهي ما يعرف بالكاتا في الكارتي، أو التاو لو في الكونغ فو، والبومزي في التايكواندو. وكذلك يوجد الأمر في حركات فنون أخرى وفي فن التايتشي القتالي وكذلك التأملي لأن كل تلك الحركات يمكن توظيفها في القتال بعد اتقانها إتقانا تاما. وحين تشاهد مقاتل شاولين يؤدي سلسلة حركات سريعة وقوية لنمط أو أسلوب فهو في ذلك ينفذ نسقا محددا سلفا ومتوارثا من جيل إلى جيل. والمجال مفتوح لكل الابتكارات والتطويرات وهذا ما فعلته. ثم يأتي من يجهل فنون الدفاع وأساليبها ويعجز عن فك شيفرة تلك الحركات ليتخذها سببا للتهكم من فرط جهله. والحقيقة أن كل حركة من تلك الحركات لها معنى محدد، وكذلك الأمر في جميع أنواع الكاتا أو القتالات التصورية التي تعتبر أساسا للقتال الحقيقي (كوميتي أو ساندا).

حركات الووشو المذهلة وحركات الكاراتي القوية وحركات التايكواندو السريعة وحركات الفيات فوداو الطائرة وكذلك حركات المواي تاي الساحقة والتايتشي اللينة، وما يقوم به المعلمون والمتدربون في معابد شاولين و”وودنغ”  Shaolin and Wudang وغيرها من الأنماط التي تبدو مجرد عروض لا نجاعة ولا قيمة لها هي في الحقيقة تمارين عظيمة لتحفيز الروح القتالية وتحرير الطاقة الكامنة وتعلم الحركات بدقة عبر التكرار والتكرار حتى قال المعلم الكبير فوناكوشي الأب (غيشن)  مؤسس مصطلح الكاراتي وفن الكاراتي في نسخته الحديثة وأحد أهم المعلمين المؤثرين وكان كذلك شاعرا فذا وتحمل كلمة “شوتوكان” التي سميت بها مدرسته للكاراتي بصمته الشعرية إذا ان كلمة شوتو Sho To تعني حركة البان في الريح وهو الاسم المستعار الذي كان ينشر به قصائده. أو Kan  فتعني المنزل.

Gichin Funakoshi (船越 義珍 Funakoshi Gichin, November 10, 1868 – April 26, 1957) is the founder of Shotokan Karate-Do.

 قولته الشهيرة حول أداء الكاتا San men hito Kata وتعني “ثلاث سنوات لكل كاتا”.

 فكانت كاتا الهيان الأولى (أبدعها بنفسه إلى الأخيرة فهي من ابداع ابنه يوشيتاكا الذي توفي في ريعان شبابه) تستغرق سنوات طويلة من التكرار حتى كانوا يكررون التسوكي (ضربة القبضة) على الماكيوارا (عمود من الخشب أو لوحة يلف عليها حبل أو جلد لتقوية اليد) ألف مرة في اليوم وألف أخرى في ضرب للفراغ الذي يعتبر صاقلا للقوة ومانحا لقدرات رهيبة.

إن عدم القيام بالقتال التصوري يحد من موهبة وخيال المقاتل، ويجعله محدودا في حركات معينة وفي جانب عضلي جاف يصب في ما يمارسونه في أقفاص العنف والدم والتي لا صلة لها بنبل وروح الفنون القتالية.

سوسة 11/12/2019 17:32

المعلم مازن الشريف، تايبنغ شو، فنون الدفاع، قتال تصوري، كاتا