في فنون الحرب عليك أن تفهم “فن الزمن الحربي”(1) .

فهنالك حرب تخوضها ضمن الزمن الماضي: أن يهاجمك العدو بالأمس فترد الفعل اليوم، فأنت تتحرك في خط ماضي العدو، والعدو يسبقك بخطوة في المستقبل.
وهنالك حرب تخوضها ضمن الزمن الحاضر: أن تضرب حين يضرب العدو، وأن يكون الأمر بينكما تفاعلا مباشرا كمبارزة بالسيف، ولكنّ الزمن الحاضر قد يوقعك في شراك الماضي وفي انغلاق المستقبل.
وهنالك حرب تستشرف فيها خطوات العدو، وتسبقه، فتكون حركاتك فعلا لا تفاعلا ولا ردّ فعل، وتكون ردودك فعلية لا انفعالية. وأنت حين تعرف ما يريد العدو وكيف يفعل ما يريد، فتضع الفخ فيما ما يريد، وتجعله يفعل ما يريد وفق ما تريد، تكون إرادتك فوق إرادته، وتكون إرادته خاضعة لإرادتك دون أن يتفطّن لذلك، فيظنّ أنّه يسبقك في مسار المستقبل، لكنّك تنتظره خلف حاضره. لكل حركة يقوم بها تجهز حركتين: حركة تخدعه، وحركة تصرعه. وفي كل فعل يقوم به تجهز فعلين: فعل يصدّه، وفعل يهاجمه ويقضي عليه.كلّما ظنّك خلفه وجدك أمامه، وكلما حسب أنه يحاصرك وجد نفسه محاصرا. في كل حقيقة يعتقدها تزرع وهما، في كل سكينة يشعر بها تغرز فخّا، وفي كل فكرة يحللها تضع خدعة. وتكون عينك المستشرفة ترى أبعد من عينيه، وعينه المستشرفة ترى ما يريد عقلك أن يراه. إنه فن الحرب العميق والقوي: فن حرب المستقبل.