في فنون الدفاع، هنالك ثلاثة أنماط لمواجهة هجمة الخصم: التصدي، التفادي، وتغيير المسار.
يتطلب التصدي قوة كافية وقدرة رادعة ودقة وسرعة، ويستهلك طاقة تمكّن من إيقاف طاقة الخصم وتحطيمها. فالتصدي شبيه باعتراض الصخرة لموجة البحر وكسرها.
التفادي يتطلب سرعة تحرك ودقة في التعامل مع هجوم الخصم، وفهم لخط الحركة وتعاملا حاسما سريعا معه. وهو يوفّر طاقتك ويهدر طاقة الخصم ويمكّن من تغيير مكان التموقع وتغيير خط التمركز وإعادة الهجوم من نقطة غير محمية.
أما تغيير المسار فهو التعامل مع خط الهجمة وموازاته ثم دفعه بطاقته الذاتية نحو نقطة أخرى فراغية مما يربك الخصم ويحطّم خطّه الدفاعي والهجومي إن تم الأمر بدقة وقوة وسرعة وإتقان.
هذه الأسس يمكن توظيفها في علم الإستراتيجيا بنفس القوانين والقواعد، فالتصدي في الحرب هو مواجهة القوة بالقوة، أما التفادي فهو تجنب الحرب أصلا إذا كان ذلك ممكنا، أو القيام بتكتيكات تجنّب المواجهة المباشرة وتوفّر الالتفاف والمراوغة والخدعة الحربية، في حين يكون تغيير خط الهجمة تحويلا لما يمكن أن يتحوّل إلى خطر على الأمن القومي عبر برامج واستراتيجيات تغيّر من خط المخطط وتحوّله بكل ما ينبغي توفيره من أجل ذلك، إذ أن العدو المتربّص حين يرى وجود مناعة ودفاعات قوية سيغيّر من خط هجمته وقد يقلع عنها، في حين يوّفر له التراخي والغفلة وقلة التدبير مجالا للهجوم، وفي هذا الإطار ترد قاعة سن تزو في كتاب فن الحرب: “نحن مسئولون عن حماية أنفسنا من الهزيمة، أما هزيمة العدو فمسئولية العدو نفسه”.
عندما تتصدى عليك أن تردع وتحسم وتضرب بكل قوة، والأولى أن لا تُمكّن الخصم من هجمة ثانية، وأن تنهيه بهجمة واحدة(1) .
عندما تتفادى عليك أن تدرس حركة الخصم حتى لا يكون تفاديك لهجمة وقوعا في هجمة أشد.
أما تغيير خط الهجمة فهو علم كامل لا يقتصر فقط على تغيير خط ضربة قادمة من خصم ما، بل اليقظة وحماية الذات والمجتمع من كل ما يمكن أن يشكّل خطرا عبر إغلاق المنافذ وتحصين النقاط، لأن إغفال ذلك يترك الإنسان والمجتمع والدولة ككل عرضة لكل من يتصيّد ويبحث عن الفرص للهجوم على جميع المستويات.
كلمة أخيرة: العدو حتمية، فليس هنالك إنسان بلا أعداء سواء كان ذلك في مستوى صحّته وجسمه، أو عقله وفكره، أو عواطفه وشعوره، ثم حياته وعلاقاته. وكذا المجتمعات فيها ومنها من يريد تهديمها وتخريب نسيجها وإفسادها. والدول تخضع أيضا لنفس القانون: فهي لا تأمن طامع في ثرواتها، وفاسد يريد أن يطغى فيها، وعدو يرغب في تدميرها لمصلحته أو لمحض الحقد، فالضدية حتمية.
(1) قاعدة أول فن للكاراتي قبل أن يبلوره ويترجمه المعلم الكبير فوناكوشي إلى اليابانية، وهي قاعدة في فن Naha Te – مدينة في إقليم أوكيناوا ظهر فيها الكاراتي لأول مرة – والتي تتمحور في قاعدة (اقتل بضربة واحدة) وفيه حركتان يمثلان أساس سلسلة الكاتا الأولى وأساس الكوميتي (القتال) في الكارتي، وهي صد اليد للأسفل Gidan Baray وهجوم اليد المباشر O Tsuki. وربما يكون الأيكيدو نموذجيا في التفادي وتغيير مسار هجوم الخصم، ولكل فن من الفنون الدفاعية خواص في التعامل وتفعيل القانون الذي بينته لك.