عرّف الصينيون القدامى الأمراض بأنماط من الخلل الطاقي تسبب ضعفا مناعيا وأنواعا من العلل والاضطرابات، وحددوا سر الصحة في تنظيم النَّفَس ضمن مركز سمي لاحقا في اليابان بالهارا hara (فم المعدة)، وقد أجمع الأطباء الهنود والصينيون في مخطوطاتهم منذ تاريخ سحيق على وجود نقاط تجمع للطاقة تسمى تشاكرا shakra وهي طاقة حيوية تجدد الخلايا وتوفر النشاط وتقوي اللياقة وتسمى أيضا طاقة الحياة ضمن تفسيرات تقترب كثيرا من الروح في مفهومها الطاقي المحض،سماها الهنود برانا prana، وسماها الصينيون تشي chi وسميت في اليابان ki ولكن المصطلح الياباني يكاد يلتصق بالمفهوم القتالي فتكون الكلمة تعني الطاقة القتالية أو حتى المناعية.
ضمن هذا الفهم للطاقة الحيوية، نشأت فنون تُعنى بتطوير وصقل هذه الطاقة، تتخذ طابعا فنيا وحركيا وطبيا أيضا، منها اليوغا الهندية، والتايتشي والتشي كونغ الصينيين، وكذلك الرايكي الياباني، كما أن فروعا من الطب تخصصت في تنظيم وتحرير وضبط وإصلاح مسارات الطاقة الحيوية التي تمضي ضمن مسابير meridian شبيهة بالعروق ولكنها خاصة بالطاقة الحيوية، وفق مخطط خاص بخطوط ونقاط لها حساباتها ومواقعها، ولعل علم العلاج بالإبر الصينية acupuncture خير مثال على ذلك، وكذلك العلاج باللمس shiatsu، وفروع مما سمي بالطب البديل الذي يلاقي رواجا عالميا كبيرا مع فنون من الطب تستخدم الأعشاب والحرارة وغير ذلك…
الطاقة الحيوية حقيقة لا مجرد خيال، وهذه العلوم تأكد العلم الحديث بأجهزته وتطوراته من صحتها، رغم أنه ظل بابا لكثير من المدعين لطبيعة هذه الطاقة وغموضها وعدم قدرة الشخص العادي على التمييز بين خبير حقيقي وآخر مزيف خاصة وأن الإيحاء قد يعطي نتائج شبه حقيقية على شخص مستعد لتقبله من قبل مدع لهذا العلم.
الطاقة الحيوية تزود الجسد بطاقة يومية متجددة، لكن الجسد حين يخمل ويكسل وتسيطر عليه الطاقات السلبية يتأذى نظامه الطاقي الحيوي مما يؤدي إلى أمراض كثيرة وبدانة زائدة وأنماط من الخلل الهرموني والنفسي والعصبي مع أمراض روحية ونفسية مختلفة من يأس وإحباط وغياب كلي عن الواقع الحركي، أمر يفتح طريقا لكل المساوئ الأخلاقية والأمراض الجسمانية، مع أنواع الإدمان المختلفة على مضار لا تنفع أبدا.
ضمن فهم علمي رصين، سنحاول في الدروس القادمة تفسير حقيقة الطاقة الحيوية وإعطاء فكرة عن الفنون والعلوم الخاصة بها وعمّا توصلت إليه من اكتشافات ضمن بحوثي الخاصة حول خصائص وتنويعات هذه الطاقة وما يحتويه الجسم البشري من طاقات أخرى، كما سنبين العلائق والروابط بين كل ذلك واللياقة البدنية محاولين مناقشة القضايا التي تسبب اضطراب الطاقة ونقص أو انعدام اللياقة البدنية مقترحين حلولا ميسرة عسى تجد عقولا تستوعبها وعزائم تقدر على تطبيقها.

الجانب الكوني للطاقة

كل شيء طاقة، لأن الطاقة جوهر الخلق، قبل أن يكون مادة، وحين تحول إلى مادة، وحتى وهو ينتهي تدريجيا. جوهر التكوين لكل الكائنات، المكونات، والكينونات
الكائنات (جن، إنس، ملائكة، حيوان، الشجر، حتى الخلايا والفايروسات)
والمكونات (مكانية بأنواعها، زمانية بأنواعها) والكينونات (نفس، روح، ذاكرة)
كل هذا له طاقاته التي لا نرى معظمها ونحس بعضها، فالمعاني الروحية نحسها، والمعاني النفسية، نحس الحب كمعنى روحي، والخوف كمعنى نفسي، وكله طاقة، نحس الخير كمعنى ملائكي، وهو طاقة، نحس الشر كمعنى شيطاني، وهو طاقة ايضا.
طبيعة هذه الطاقة اللطيفة النافذة في المادة والصادرة عنها أخف كميا ونوعيا من انساق الطاقة الكهربائية والاحتراقية والشمسية والتي تقاس بالأجهزة، فالعلم الى الان يعجز عن الطاقات الكونية والحيوية رغم يقينه بها مما سماه علماء الفيزياء الحديثة باللاهوت الفيزيائي.

دمشق
‏16‏/03‏/2010‏ 03:15:01 ص