قاعدة أولى: علم الاستراتيجيا علم دقيق يختص بالتخطيط والتوقع والاستشراف والتنظيم. وهو يعتمد على تنسيق بين النظري والتطبيقي وبين الحركات العقلية والحركات الفعلية ودراسة الوضعيات في أي أمر تتم دراسته استراتيجيا ثم إنجاز الحلول والتوقعات. ويمكن استخدام هذا العلم على الصعيد الذاتي (يمكن للانسان ان يعتمد على استراتيجيات خاصة لتطوير حياته وتنظيمها ولنا أن نبني علاقة بين هذا وبين علم التربية وعلم الاخلاق وعلم التنمية البشرية). أو على صعيد جماعي يخص المجتمع والدولة (الاستراتيجيات الصحية والامنية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية…).
وإن تأمل نبتة ما يمكننا من فهم أوجه للاستراتيجيا كمعطى، أو حتى لمشهد صيد للنمر. فالنبتة تتعامل مع الضوء والماء والتربة وتتفاعل مع مكوناتها الذاتية ومع احوال المناخ وكذا مع وجود الماء او قلته او انعدامه باستراتيجيات مودعة فيها تمكنها من مقاومة العطش وتقلبات الطقس وتوفير الطاقة وحماية الزهرة والثمرة والوجود مع دور في الحياة ككل عبر التوازن المناخي وتوفير الهواء وتنقيته وحفظ التربة. وهذا كله له تأولياته في الجانب الاقتصادي والحياتي ضمن باب الاستراتيجيا.
أما مشهد صيد النمر فإنه جانب عسكري وامني وهو كيفيات توقع الحركة والانضباط والتركيز والكمون والتوقيت والتحرك السريع والانقضاض على الهدف والتفاعل الحركي المتزامن ومع حركات الخصم وهو من أهم الاستراتيجيات بل هو ركيزة علم الاستراتيجيا لانها علم حيوي لابد له أن يتفاعل بسرعة مع التحولات وان لا يكون جامدا كما عليه أن يكون دقيقا في الانضباط الوقتي والتفاعل الحركي.
فعلم الاستراتيجيا علم كامن من حولنا، ويمكن أن ندلل عليه بأكثر من مثال. بل إن جوهر الديانة والفلسفة والادب وحتى القصيدة الشعرية في معانيها واغراضها، كل ذلك يقوم على استراتيجيات. فللهداية والدعوة استراتيجيا خاصة. وللفكرة الفسلفية والتفسير المنطقي والبناء العقلي استراتيجيات. وللادب في تفاعله اللغوي الدلالي والبنيوي الجمالي والمعنوي الذوقي استراتيجيات دقيقة تراعي اللغة نوعا واللسان طبيعة والبشر مجتمعا وحالا وهذا من أسرار الاختلاف بين معلقة يقولها شاعر جاهلي وقصيدة هايكو وامضة ينطق بها ساموراي ياباني في لحظة صفاء وتأمل.