التحرر الانفجاري الإرادي

لعل أهم مثال عليه هو الآتي: هنالك طفل من رهبان اللاما، قامت إحدى القنوات الوثائقية بتصويره، جلس هذا الطفل بملابس نساك التيبت الحمراء، وضع يديه ضمن وضع التأمل، قام بوضعية زهرة اللوتس التي تشبه الوضع المتربع، ثم أغمض عينيه وحنى رأسه، وأمامه باب كبير مغلق، دقائق مضت وهو هادئ صامت، وفجاة، ينهض مسرعا كمن دخلت جسمه روح ثانية، يجري بسرعة كبيرة نحو الباب، يقوم بصرخة عنيفة، ويضربه ضربة واحدة، فيحوله إلى قطع وأجزاء..
لو أنك سألته، فلن يخبرك، إنه سره، ولن يذكر كل تفاصيله، وربما يحكي بعض الأمور البسيطة بهدوء وتواضع وهو ينظر إلى معلمه الذي يراقبه بعناية كي لا يبوح بكل شيء، وبعض القصص ترى أن موت بروس لي المفاجئ سببه كشف بعض أسرار فنون القتال، بل إني في محاورة لي مع صديقة صينية حدثتها عن أسرار لدى البوذيين ومعلمي فنون القتال منهم، وأخبرتني حين التقينا بعد فترة أنها حين رجعت إلى الصين ذهبت إلى معبد وودنغ وسالت راهبا كبيرا هنالك عما حدثتها به فغضب وقال كيف يجوز أن يعرف كل هذا غريب!! إنها من أعظم أسرار فنون القتال التي يحرص كل فن على حفظها خفيّة، من فنون الننجا اليابانية إلى الفنون الصينية وخاصة فنون المعبد المفقود في التيبت والتي تعد الأكبر والأخفى والأشد قوة….ومهما كان ما يظن خبراء المدارس في العالم والتي تخضع للرابطات والاتحادات أنهم أدركوا أسرارها، فإنهم لم يدركوا سوى المسموح به فقط، أي نقاطا في بحر شاسع، ويظل الأمر متوارثا ضمن نطاق ضيق ولا يمكن كسره إلا عبر معلم من معلمي الظل العمالقة أو عبر فتح إلهي واكتشاف ذاتي يدفع المكتشف ثمنه من دمه وسنين حياته….
ما يهمنا أن التحرر الانفجاري لدى ذلك الطفل كان بوعي منه، لقد كان إراديا، تفجيرا واعيا إراديا للطاقة الكامنة، تحريرا في لحظة انفجار، والأمثلة كثيرة في معابد الشاولين حيث يقوم الرهبان بكسر الحديد ولي المعادن والرماح على الرقبة، لدى خبراء اليوغا الذين يمشون على الجمر دون أن يحرقهم، ولك أن تظن أن في الأمر سحرا، أو سرا من نوع ما، ولا أنكر حقيقة السحر ووجود فنون من السحر الأسود تعطي من يتقنها قوى خارقة مصدرها سفلي وشيطاني، هذا أمر حقيقي، أمر ثمنه أن يبيع الإنسان روحه (كلمة مجازية تعني ذاته وإنسانيته) للشيطان، ولبعض كفرة الجن، والقرآن والكتب السماوية كلها حذرت من ذلك، أمر نراه في عصرنا هذا عبر سحرة بارعين يستغلون التكنولوجيا ويزيفون للناس أن ما يفعلونه خدع فقط، في حين أن الأمر ممارسة لأكثر واكبر أنواع الحرام، لطقوس قديمة جدا أرى أن انتشارها اليوم ضمن صياغتها الجديدة أمر خطير جدا ولابد من تثقيف وتوعية الشباب خاصة بأن هذه الأحابيل الشيطانية مهما منحت من قوة فإنها تأخذ من الإنسان ذاته وتهلكه في النهاية….
وإن تفشي السحر والأفكار الشيطانية في العالم وفي مجتمعاتنا خاصة بأكثر من طريقة وأسلوب وبفلسفات كثيرة براقة خلابة وأسباب عديدة وفق ما درسته وعاينته بشكل مباشر أو سمعت عنه أمر يدعو للفزع، إنه فراغ روحي وضعف إيماني وجهل وانخداع، وقد خصصت قسما من موسوعتي في العلم الذوقي والقرآني “البرهان” لتبيين حقيقة هذه الآفات ومخاطرها وأحابيلها الخفية، وقد أنشر بعضا من ذلك مبسطا وإن كان الأمر يحتاج لوقفة واعية حازمة من أكثر من مصدر تستخدم العلم والتحليل الداخلي لهذه المعضلات لا مجرد شتمها أو إنكارها بكل رعونة وصلف…وتقوم بتوعية الشباب بشكل خاص لأن هذه الأمور تستخدم القوة التكنولوجية من انترنت وتلفزيون وتستخدم حتى الفن والغناء والموسيقى والموضة ضمن مخطط شيطاني قديم يتجدد كل مرة السحر أحد أكبر أعوانه……
كما أن لك أن تقول أنها قوة ربانية، كرامة من نوع ما، ولن أنكر ذلك، فكمسلم معتقد في الذات الإلهية، وكخبير في الروحانيات والتصوف، أؤمن أن الله حق،وان الإنسان كائن موصول بربه، وان عالم الأرواح النورانية حقيقي ولا مانع من أن يدعم الإنسان في لحظات محددة بأمر إلهي ولو عبر اختراق الممكن..
لكن ما يهمني، هو أن يعي كل إنسان منا، أن لديه طاقة كامنة رهيبة، طاقة حين يحررها بوعيه، ويفجرها بإرادته، قد تغير حياته وتعرفه بذاته الخفية، وأنه
يمكن استغلال الشيطان كروح أو كفكرة نفسية لهذه الطاقات الكامنة في حالات الغضب الأعمى أو أن تزيد طقوس سفلية من طاقة من يمارسها بشكل كبير ثمنه أكبر وناتجه أفدح، كما يجوز أيضا أن يمد الخالق سبحانه بأكثر من طريقة إنسانا ما في حالة ما بطاقات كبيرة تتجاوز قدراته البشرية الظاهرة والخفية، كل هذه الأمور حقائق مهما كان وعي البعض بها ناقصا أو معدوما ومهما روج أدعياء الفلسفة العندية أن الحقيقة نسبية في كل شيء..بلى، هنالك حقائق فعلية، أو يصبح العالم كله محض صدف بلا رابط ولا قانون ولا حتى خالق..
كل ما ذكرته فعلي، لكني أركز على ما للإنسان، فذلك الطفل من معبد اللاما، الذي تأمل وحطم الباب، قام بالأمر إراديا، أما تلك المرأة التي حملت الحقائب وطفليها في الحريق فقامت به لا إراديا، كلاهما ضمن نظام الانفجار، نوع من التحرر للطاقة الكامنة، نوع يستغرق وقتا محددا، وفعلا محددا، ولأني مارست تلك الفنون وبلغت مستوى خبير فعلي، علمني من علمني منها، واكتشفت بفضل الله من خفي أسرارها ما اكتشفت، فإني أعرف تفصيليا أسرار ما قام به ذلك الطفل وقد جربت أمورا كثيرة لم أكن أتخيل أني أستطيع فعلها، ولكن الأهم من القيام بهذه الأمور فهمها، ثم التحرر من سجنها، أو معرفة السبيل لتحرير تلك الطاقات بأشكال أخرى أكثر فاعلية في الحياة، لتنطلق حينها من التحرر الانفجاري للطاقة، ضمن أمور محدودة، إلى التحرر الانسيابي لطاقتك الكامنة، وحينها يكون التوظيف، وما أكثر مجالاته، من الحياة عامة إلى أمور خاصة لعل أبرزها الإبداع، والعلم، والفهم، والتعامل مع الآخرين، حتى العلاج وفنونه، ضمن نظم معينة موصلة إلى ذلك أهمها التأمل، الصمت، التركيز وصولا للصفاء الذهني والسلام الداخلي المؤدي إلى التنور، التحرر الكلي، اليقظة، النيرفانا..
مواضيع ومسائل ندرسها بعون الله في الدرس القادم، الذي سنخصصه للتحرر الإنسيابي للطاقة الكامنة… لنقربك أكثر..من ذاتك الخفية….
حرر طاقتك الكامنة…