[1] إنك حين تقرأ هذه الدروس، قد تجد بعض المعلومات هنا وهناك، لأنها قاسم ثقافي إنساني مشترك، لكن التقسيمات والنظم والتحليلات كلها اكتشافات شخصية أرجو التأمل فيها لأنها خلاصة تجربة شاقة وعصارة بحوث مضنية ونتاج فتح من عليم حكيم.
الطاقة الكامنة..ونظم التحرر
لتحرر الطاقة الكامنة لدى الإنسان نظم محددة تنقسم إلى نظامين أكبرين فيما أراه، الأول أسميه النظام الانفجاري، والثاني هو النظام الانسيابي، وضمنهما أنظمة أخرى وتفاصيل كثيرة…
النظام الانفجاري
أعني بالنظام الانفجاري نظام تحرير للطاقة الكامنة، وهو يقوم بتفجير تلك الطاقة بشكل انفجاري فجائي، فتغمر الإنسان قوة رهيبة وتنفجر في دواخله طاقة كبيرة تؤثر على عقله وجسده وكامل ذاته نفسا وإدراكا، ومصدر هذه الطاقة غامض جدا بعضهم برى أنه العقل الباطن والبعض برى أنها الروح وأرى أنهما معا فلكل دوره فللعقل الباطن التركيبات السرية والبوابات الخفية الموصلة إلى المخزون الطاقي الروحي، والطاقات الروحية أمر غامض جدا نكتفي أن نقول أنه من أمر الله شان الروح ولكن لنا أن علم انه مؤثر جدا وقوي وفعال…
لكن التحرر الانفجاري يخضع بدوره حسب رأيي إلى صنفين:
التحرر الانفجاري اللاإرادي
حين درس خبراء فنون القتال وكبار المعلمين منذ تاريخ قديم انفجار الطاقة الكامنة لدى الإنسان، ثم درسه علماء النفس في العصر الحديث، فإن الملاحظ هو وجود حالات تحرر انفجاري لاإرادي للطاقة الكامنة، وهنالك أمثلة يضربها هؤلاء وهؤلاء لعل أبرزها ضمن صياغتي الذاتية:
امرأة نحيفة مدللة لا تستطيع حمل أكثر من 30 كلغ، وتقضي اليوم في كسل، فجأة يشب حرق في البيت، فتهرع وتحمل طفليها وحقيبتين وزن الواحدة 50 كلغ وتعدو مسافة مئتي متر بسرعة كبيرة…
وهنالك قصص كثيرة تؤكد ذلك، فشاب وجد آلة وزنها 400 كلغ تقع على أبيه، فقام برفعها، وقد بثوا قصته في إحدى القنوات الفرنسية منذ سنوات…
وإنك حين تتبع هذه القصص ستسمع أعاجيب كثيرة في قريتك وتاريخها، في التاريخ البشري، وفي الواقع المعاش في أرجاء العالم، وهرع علماء البارسيكولوجيا يحاولون فهم هذه الأمور بأطروحات كثيرة، وحاول علماء النفس تفسيرها أيضا، والمهتمون كثر حتى الدجالون والمشعوذون وأدعياء السحر لهم فيه نصيب عبر مساعد من عالم الجن يمنح الإنسان تلك القوة!!! وتجد الناس يصنفون مثل هذه الامور على انها كرامات، أو حالات خارقة، ويسعى بعض السحرة إلى التمكن من أمور مشابهة لحمل أوزان ثقيلة وفعل أمور غريبة، وتختلط الأمور لدى أكثر الناس، إلا أن النظر العلمي الدقيق والفهم الرصين يمكن من فهم كل هذه المسائل، ولكن لنرجع ونحلل الانفجار اللاإرادي:
في حالة المرأة النحيلة التي تحمل تلك الأوزان وتعدو بسرعة في لحظة الحريق، أو الشاب الذي حمل الوزن عن أبيه، لو أننا نظرنا إلى وعيها أو سألناه ماذا أحسست، فسيقول وتقول لك: لا أتذكر…
كل واحد منا يمكن أن يمر بمثل هذه التجربة، في لحظة حزن، أو غضب شديد، يفعل أمورا لا تصدق، يحس بقوة عجيبة، يقال تلبّسه الشيطان إن فعل أمرا سلبيا، أو أعانته القوة الإلهية إن كان أمرا جيدا خارقا، لكن ما يشترك الجميع فيه، هو عدم التذكر، كأنها حالة غياب، لكنها حقا كذلك، هي حالة غياب…
فالتحرر الطاقي الانفجاري اللاإرادي هو سيطرة للعقل الباطن على العقل الواعي، سيطرة للوعي الباطن على الإدراك العادي، لأنها حالة خاصة، وهنا يأمر العقل الباطن الجسد فيفرز هرمونات محفزة للقوة أو ناتجة عن الضغط والتأثر الشديد، الأدرينالين أبرز نوع، فتتوسع الأوعية الدموية ويتضاعف نبض القلب، ثم يدعو الطاقات الروحية والنفسية الكامنة فتنفجر دفعة واحدة، وهكذا تغمر العضلات قوة كبيرة جدا، وتتحول بسرعة إلى طاقة حرارية، ثم طاقة حركية، مع زيادة في السرعة، وتقوية للحواس، دقة أكبر في الرؤية والسمع، قوة عضلية كبيرة، وتغمر تلك الطاقة الجسد والعقل، وتتقوى الهالة الطاقية الخارجية، حتى انه يمكن لمس شيء محرق دون احتراق، أو المشي على شيء حاد دون اختراق، ولا حتى خدش، ويدوم هذا الأمر مدة محددة، ثم يفقد الجسد قوته ويخور فجأة، يغيب الشخص غالبا عن الوعي تماما، أو يتجمد كليا، وبعدها لا يكاد يذكر أو يصدق ما فعله، أمر تتردد أصداؤه في الحوادث والحرائق وغيرها من أمور تضع حياة الإنسان أمام الخطر الداهم..
ما الذي حصل..لقد قام العقل الباطن الذي يراقب بهدوء أمام وجود خطر داهم على الحياة (وفق معادلات دقيقة إذ ليس كل من يمر بهذه التجربة يتمكن عقله الباطن من ذلك فهنالك من يقع تحت الصدمة فيشل عقله الواعي والباطن أيضا) قام بإلغاء العقل الواعي المتردد، الذي يستخدم طاقة مفعّلة يومية رتيبة، ويتفاعل مع النفس ومخاوفها، فأنت تخاف الحريق، تخاف الأماكن المرتفعة، ومع الشخصية وعاداتها، فتلك المرأة تحب الكسل ضمن المثال الأول، وتخشى على أظافرها وأناملها من حمل أي شيء ثقيل، وعلى بشرتها من مجرد الغبار، فإذا بها تحمل الحقائب وولديها وتعدو بسرعة وسط اللهب والدخان وقد تضرب الباب المغلق فتكسره كأنها تدربت سنين طويلة على الفنون القتالية…وتتحول في لحظات إلى بطلة خارقة..لكن العقل الباطن حينها يكون قد أصدر أوامره، فتحركت القوات الخاصة للهرمونات، ففعلت الدم وزادت سرعته وقوت العضلات، ثم تنفجر الطاقات العقلية الكامنة فتتقوى الحواس وتتعامل بسرعة ودقة، وتقوى السيولة العصبية بشكل كهربي حراري انفجاري ولو أنك صورت العمود الفقري بأشعة مناسبة لرأيته يشع ويتوهج، ثم تنفجر البوابة بين الروح والجسد، تنكسر الحواجز ويغمر نور كبير تلك المناطق المظلمة، ثم ينفجر الضوء في كل أرجاء الذات والعقل والجسم وتمنح ذلك الشخص قوة رهيبة لم يكن يتخيل وجودها..
هو إذا تحرر طاقي انفجاري لا إرادي، شرطه فقدان الوعي الظاهر، العقل الواعي، شلل للوعي، غياب له، مع عمل للعقل الباطن بسرعة وقوة…
ولكن هل يظل الواحد منا ينتظر حريقا لتنفجر طاقاته الكامنة، أم يقع في أوهام بعضهم فهنالك من يظن أن الغضب يقويه، فتراه يدمن الغضب، ويقال فلان “عنده أعصاب”، أي لديه قوة كبيرة حين يغضب، وتراه يبدع في ذلك فيمزق شرايينه ويقفز ويفعل الأفاعيل، ويظن أنه حينها أرضى قواه وفجر طاقته الكامنة، وتعمل السينما التجارية على تفعيل ذلك، فالبطل حين يغضب، بعد أن يشرب الخمر ويعب السجائر غالبا، ويصرخ والدم ينسكب على وجهه، فحينها يصبح الرصاص مجرد صلصال على جسده، ويهزم جيشا بأكمله،وخاصة في بعض الأفلام الهندية التي تركز على الانتقام وتجعل البطل يتحول بعد انسحاقه وهو يرى حبيبته تؤذى أو أحد أهله إلى مارد لا يمكن لألف هزمه، وكذلك السينما الهوليودية التجارية، والتي ترسل رسائل إلى العقل الباطن لكل مشاهد وخاصة عقول أمتنا بان الخمر والسجائر والغضب الأرعن مقويات كبيرة وكم من متأثر بهذه الخزعبلات وقد رأيت ذلك عيانا ولا شك انك رأيته أيضا، رغم أننا لا نلغي أن الغضب للحق يمنح قوة كبيرة ونراه في أفلام فنون القتال، لكن للأمر فهم آخر، وفي كل الأحوال، فإن هذا النوع من الانفجار يعمل ضمن نظام المناعة الحياتية، أي في حالات تتهدد الحياة فيها يقوم العقل الباطن حين يجد الفرصة بتفعيل هذه القوى وتفجير الطاقة الكامنة بشكل إرادي منه ولا إرادي من العقل الواعي، والسر يكمن في فعل هذا الأمر وتحقيق هذا التحرر يوعي الطرفين:العقل الواعي، والعقل الباطن….