الطاقة الكامنة…حقيقة ذاتك الخفية
كثيرا ما شاهدنا أفلام فنون القتال..حيث يكون البطل لا يزال تائها في دروب الحياة..ويتعرض لهزيمة قاسية..فينزوي ويرحل..ثم يلتقي بالمعلم الصيني أو الياباني..بملامحه الهادئة..فيقول له: أنت لا تعرف طاقتك الكامنة..وكثيرا ما نسمع طاقة التنين او النمر..تعبيرات عن طاقة روحانية كامنة…عن قوى غامضة مخفية..عن ذات أخرى رآها المعلم ولم يتمكن البطل في مرحلته تلك من إدراكها..ثم نرى التدريبات..التأمل..وضعيات اليوغا والزن…التنفس بعمق ووضعية اللوتس..ثم انفجار الطاقات..وحينها يكتشف البطل أنه لم يكن يعرف ذاته حقيقة..تتضاعف قواه..يرجع إلى المكان الذي غادره مهزوما لأول مرة..وينتصر…
دور المعلم الذي يعرف وجود تلك الطاقة..ودور المتعلم الذي يكتشف ذاته..والاختلاف بين ذات وأخرى في مدى الطاقة الكامنة..
فهل هذا مجرد سينما أم يحمل جوانب من الواقع…
ما هي الطاقة الكامنة…وما حقيقتها..أين توجد..وكيف يمكن استثمارها..وهل تختلف من شخص إلى آخر..وهل حقا أن لكل واحد منا ذاتا خفية؟؟؟؟؟
أسئلة مهمة جدا لابد من طرحها ونحن نلج هذا الباب من العلم..بعد أن عرفنا في الدرس الأول بالطاقة الحيوية..وبعد أن تكلمنا في الدرس الثاني عن علم معرفة الذات وأسرار العناصر وطرحنا بعض الأسئلة..ها نحن نكمل في هذا العلم مع الطاقة الكامنة..فإلى هذه المسائل نجيب عن الأسئلة ونفتح أبوابا لأسئلة أخرى…
حقيقة الطاقة الكامنة
علم الطاقة علم كبير وشاسع جدا، وأعتقد أنه من أهم العلوم، عبر كافة أنواع الطاقة وأصناف استخدامها في الكون والطبيعة والحياة البشرية والذات الإنسانية جسدا وروحا، وفي كل هذه المستويات هنالك صنفان من الطاقة، صنف ظاهر مستخدم، وصنف كامن، الظاهر أشد تكاثفا، هو معدل بحيث يخدم في غايات محددة، والكامن أكثر نقاء وأقل كثافة، غير معدل ولكنه موجود، وهو القسم الأكبر من الطاقة ضمن كل ما ذكرنا من مستويات من الكون العام إلى الخلية والجزيء الذري، وكلما كان التجزيء أصغر كلما كان الأثر أكبر، ونحن نرى الطاقة الكامنة في البروتونات والنيترونات وأثر تفتيتها أو تجميعها ضمن الانصهار والانشطار الذري الذي كان من نتائجه الأسلحة النووية الفتاكة وما هي إلا مظهر من مظاهر وجود تلك التفاعلات في الكون وفي كل شيء…..
فيما يخص مبحثنا، فإن الطاقة الكامنة لدى الإنسان حقيقة عرفها الفكر الإنساني منذ القدم، وعمل عليها، من الفكر البابلي والفرعوني القديم، فالفكر البوذي والطاوي، وتعاليم فنون القتال والفلسفات الشرقية القديمة، إلى الفكر الفلسفي الإغريقي، وصولا إلى الديانات الإبراهيمية والإسلام خاصة، فالتصوف الإسلامي بصفة أخص، وصولا إلى العلوم الحديثة والطب أساسا مع الباراسيكولوجيا، كل هذا يعرف حقيقة الطاقة الكامنة، لكن بتعبيرات مختلفة، من القوى الروحية الكامنة، إلى إعطائها صبغة سحرية أو فوق طبيعية، إلى الروح الإيمانية وتزكية النفس وتفجير طاقاتها، إلى الطاقات الخفية في الجسم وفي الخلية التي يعمل الطب على تفعيلها للوصول إلى علاج مثالي، ثم الطاقات الغامضة والتي تجعل بعض الأفراد يصلون إلى قدرات تتجاوز المقدور البشري العادي….
هذه الكلمات البسيطة والتفسيرات المقتضبة تحتاج شروحات طويلة وتقصيا كاملا ومناقشة وفهما، لكن المجال هاهنا لا يسمح بمثل ذاك التوسع والأمر متروك لكل فرد يريد أن يتأكد ويعمق المعرفة….
ما يهمنا في هذا الصدد أن نؤكد على وجود الطاقة الكامنة لدى الإنسان، طالما أن الأمر موجود في الكون، في الطبيعة، في الذرة، في كل شيء، فليس غريبا على الكون الأصغر، الإنسان، هذا الغامض الجلي والظاهر الخفي، أن يحتوي ليس فقط على طاقة كامنة، بل على طاقات كامنة، فللجسد كوامنه الطاقية، وللخلايا أيضا، للعقل كوامنه، وللنفس، للروح، وللمعاني النفسية والروحية أيضا، فالشجاعة تحفز طاقات كامنة، كما أن الخنوع والجبن يغلق كل مساراتها، بل يدمر حتى الطاقة الموجودة والمفعلة، وهكذا ضمن شبكة معقدة جدا، تتفاعل هذه الطاقات الكامنة مع الطاقات المفعلة، وعلماء العقل البشري والطاقة الإنسانية يؤكدون مثلا أن الإنسان يستخدم بين 1% إلى 9% من طاقات وإمكانات عقله، من مستويات وعيه، من إمكانات ذاكرته، ويرى بعضهم أن آينشتاين مثلا من النادرين من البشر الذين بلغوا مستوى 9% من استخدام طاقاته العقلية الكامنة أو إمكانات عقله، وأيا كان الأمر، فإن الحقيقي والثابت أن الإنسان عامة يستخدم منسوبا ضئيلا جدا من إمكانات جسده وعقله ونفسه وروحه…..ويظل الباقي نائما لا يتيقظ إلى في حالات خاصة، أو عبر طريق طويل من العمل الشاق لتفعيل الكوامن.