فن الحرب: علم الاستقراء الحربي (التوقي والردع والحسم)

أهم ما يميز فن الحرب علم الاستقراء الحربي، وأعني به علما خاصة بقراءة معطيات الحرب وتوقع مجرياتها.
وهنالك نظم كثيرة تنبني على ذلك الاستقراء، منها التوقي والردع والحسم.
التوقي يعتمد على استراتيجيات وتكتيكات تخفف نسبة الضرر وربما تمنع وقوع الحرب أصلا. لأن أفضل الطرق هو عدم الوقوع في الحرب.
أما الردع فهو يحمل نظما داخلية، منها أن يمتنع العدو عن الفعل الحربي خوفا، وضمن ذلك توازن الرعب، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: نُصرت بالرعب.
ومنه منع العدو من التقدم وحصره في نقطة واحدة، وقد قام ستالين في معركة ستالين غراد بمنع النازيين من التقدم مما أدى بعد ذلك الى انهيار المشروع النازي ككل.
أما الحسم فهو عدم التراخي واضاعة الوقت لان الحرب يقاس التخطيط والتوقي منها بالسنوات ويقاس الحسم فيها بالدقائق والساعات.
من أكبر الأخطاء تلافي نظم التوقي، والتي تستوجب علما ودراية ودراسة، وهذا هو دور المراكز الاستراتيجية ووكالة الامن القومي والاستخبارات. ودور الخبراء في التوقع والاستراتيجيا والتحليل والاستشراف والاستقراء. وكذلك عمليتان مهمتان هما المتابعة الدائمة والاستعلاك المستمر، فالمعلومة خطيرة جدا في أخذها وفي اخفائها واظهارها حسب الظرف ونخصص لها مجالا اخر ضمن الحرب المعلوماتية والاستعلامية.
ثم عدم وجود مهابة وقوة ردع، وهنا دور القيادة وقدرتها التحصينية ودور المعلومة وطرق الظهور ونظم كشف ما يجب كشفه من القوة. ثم الثبات والصبر وحسن تدبر الامور وسياستها وتسييرها.
اما الحسم فهو مثل ضربة سيف الساموراي: سريعة جدا وقاطعة، حتى أن كبار السيافيين يبلغون سرعات رهيبة في الضرب لدرجة أن السيف يقطع رأس الخصم دون أن يسقط. ويختلف الحسم باختلاف العملية. لكن المهم أنه يجب أن يكون مدروسا ودقيقا، فالدقة مهمة جدا فهو مثل الرمي بالسهم، لأن الخطوات الحاسمة لا يمكن التراجع فيها والخطا يكون كارثيا.
يقول سن تزو في الفصل الرابع من كتابه فن الحرب وخصصه للمناورات التكتيكية القاعدة الثانية: نحن مسؤولون عن حماية أنفسنا من الهزيمة، أما هزيمة العدو فهي مشروطة بأحول العدو نفسه.”
فهذا يعني أن نظم الوقاية ضرورية جدا في حسم مسار الحرب ومعاركها، والأفضلية لمن توقاها أكثر أو توقى الهزيمة فيها.
ويضيف في القاعدة الموالية: “المقاتل الجيد يحصن نفسه ضد الهزيمة، لكنه لا يستطيع تأكيد هزيمة العدو”.
وهنا يكمن خطر وأهمية الردع الذي يحصن ضد الهزيمة. لكنه لا يكفي وحده لهزيمة العدو.
ثم يضيف في القاعدة الموالية:”قد تعرف الطريق إلى هزيمة عدوك، دون أن تكون قادرا بالضرورة على تنفيذ ذلك”
والحسم هو أن تعرف الطريق إلى هزيمة عدوك وتقدر على تنفيذ ذلك، دون تراخ أو تردد أو تراجع أو خوف، وهي قواعد تجدها في البوشيدو أو ميثاق الشرف لدى الساموراي، فاليد المرتجفة لا يمكن أن تحمل السيف. كما اقول في كتابي: فن الحرب بداية جديدة.
فالتراخي والتعامي سيكون سببا لكوارث كبيرة، وكما قال مياموتو في كتابه الحلقات الخمس: إن أخطاء صغيرة في البداية يمكن أن تتحول إلى كوارث كبيرة في النهاية.
وقد يكون الانتصار الذي لا يقع حسمه هزيمة كبيرة قاسية، ولنا ان نذكر غزوة أحد.
إن الأخذ بهذه القواعد وتدبرها سيمكن لك أن تفهم روح فن الحرب، وحينها وبالتأمل يمكن أن تصل إلى تطبيقها في حياتك ومواقفك فتتوقى الشر وتردع نفسه وتحسم في امرها ولا تضيع أيامك، وفي امور كثيرة بالقياس والربط والاطار.